قصة القهوة المالحة
قصة القهوة المالحة كان يسكن بالقرب منها ويراها دائماً وهي ذاهبة إلي جامعتها كل صباح في حماس، كانت في غاية الجمال والرقة ولكن منعه خجله من التقرب إليها أو الحديث معها، كان هو شابا عادياً ليس لديه الكثير من المال أو الجاه، ولكنه قرر الارتباط بها فتقدم إلي خطبتها من والديها، وطار قلبه فرحاً عندما وافق والدها علي الخطبة، فهو علي وشك أن يكون بيت وأسرة مع حبيبة عمره .
دعاها إلي تناول فنجان من القهوة في إحدي الكافيهات الجميلة الرومانسية، كان مضطرباً جداً ولم يستطع التحدث في بداية الامر، وهي شعرت كذلك بالاحراج والخجل الشديد فهي لأول مرة تجلس للتحدث مع شاب، وفجأة خرج الشاب من خجله وأشار إلي الجرسون قائلاً : رجاءاً أريد بعض الملح في قهوتي .. نظرت إليه باستغراب ولكنها لم تشأ أن تسأله عن ذلك حتي لا يخجل أكثر .
شعر الشاب بذلك فبدأ يشرح لها قائلاً : عندما كنت فتى صغيرا، كنت اعيش بالقرب من البحر، كنت احب البحر واشعر بملوحته، فأصبحت أحب القهوة المالحة لأنها تذكرني بطفولتي واجمل ايام حياتي مع والدي رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته .. تأثرت الفتاة بكلامه وترقرقت الدموع في عينيها، وزاد حبها له لأنه حنون ووفي، وحمدت الله أنه جعل من نصيبها زوجاً طيباً رقيق القلب .
تزوجا وعاشا سنوات طويلة معاً في سعادة وهناء، فقد كان رجلاً ذكياً طيب القلب حنون وحريصاً علي زوجته وأولاده، وكانت تشتاق الى رؤيته كلما أخرج رأسه الأصلع من خلف باب بيتها وهو يودعها، وكانت الزوجة تصنع له كل صباح قهوته المالحة لأنه يحبها هكذا .. بعد مرور أربعين عاماً علي زواجهما توفاه الله، بعد أربعين عاماً من الحب والود مع رفيقة دربه الوحيدة، ولكنه قبيل موته عندما شعر بقرب النهاية ترك لزوجته رسالة هذا نصها : سامحيني يا زوجتي الحبيبة، لقد كذبت عليك طوال حياتنا مرة واحدة فقط، أتذكرين اول لقاء بيننا في المقهي ؟ كنت مضطرباً جداً وفي قمة الخجل، وقد أردت أن أطلب سكر لقهوتي، ولكن بسبب توتري واضطرابي اخطئت وقلت ملح بدل السكر، وهجلت من العدول عن كلامي فاضطريت الي الاستمرار في هذه الكذبة .
ولكنني خفت أن أطلعك علي الحقيقة بعد ذلك حتي لا تظني أنني بارع في الكذب وتخافين مني، ومن يومها وقد قررت ألا اكذب عليك مرة أخري ابداً مهما كان الثمن، ولكنني قررت ان ابقي طوال حياتي أدفع ثمن كذبتي عليك، أنا لا احب القهوة المالحة علي الاطلاق، فطعمها سئ للغاية، ولكنني شربت القهوة المالحة طوال حياتي معك ولم اشعر بالضيق او الاسف ابداً بسبب شربي لها، لأنها السبب في وجودك معي بقلبك الحنون وحبك الرائع .. لو ان لي حياه اخرى في هذه الدنيا اعيشها لعشتها معك حتى لو اضطررت لشرب القهوة المالحه في هذه الحياة الثانية .. قرأت الزوجة الرسالة ودموعها تنهمر علي الورقة، وفي يوماً ما سألها ابنها : يا أمي ما طعم القهوة المالحة، فأجابت : إنها على قلبي أطيب من السكر، إنها ذكرى عمري الذي مضى، وفاضت عيناها بالدموع .
النهاية