قصة العروس المظلومة
سأحاول ألا أطيل عليكم في قراءة قصتي ، ولكن السنوات التي قضيتها في عذاب لا يمكن اختزالها ببضعٍ كلمات على الورق ، فأنا فتاة خلقني الله على قدر كبير من الجمال ، بوجه مستدير وشعر فاحم يتخطى ظهري في انسداله ، اسمي هلا وكان عمري مع بداية قصتي ٢٦ عامًا ، حينها كانت الابتسامة لا تفارق شفاهي والجميع يلتفون حولي لخفة ظلي ودعاباتي الكثيرة .
وذات يوم أثناء سيري مع أمي بإحدى المولات في عمان ، رأني شاب مليح القسمات فاقترب مننا في خطوات جريئة وسأل أمي إن كنت مرتبطة أو متزوجة أم لا ، فنفت أمي ذلك فطلب منها العنوان وأخبرها أنه سيحضر أسرته غدًا لخطبتي ، وحدثها عن وضعه المالي الكبير وعائلته العريقة وسيارته الفارهة ، ففرحت أمي كثيرًا واعتبرت أنه هدية لا يمكن رفضها .
وبالفعل انتظرت أسرتي العريس في اليوم التالي وهم على أحر من الجمر ، والغريب أنه جاء وتقدم فلم يكن ما فعله مجرد مزحة ، وقد جاء معه بعض أفراد أسرته ولكن لم تأتي أمه ، وحينما اتفق العريس أو فارس فقد كان هذا اسمه مع أبي لم يعارضه في شيء ، ولكنه أصر على الزواج في خلال أسبوع واحد ، كان كل شيء معد القاعة محجوزة والمنزل متكامل وحتى فستان العرس .
تعجبت لاصراره على الزواج ولكن أمام رغبة أبي وأمي الشديدة وافقت ، وبالفعل في اليوم التالي تم كتب الكتاب وبعدها بيوم أخذنا لنرى منزله ، لا أبالغ إن قلت أنه كان يسكن في فيلا فخمة لم أحلم حتى أن أقف أمامها فأنا من أسرة متوسطة ، أما هو فكان لدى والده شركة أثاث كبرى كان يديرها هو ، هناك رأيت والدته رحبت بي وبأسرتي وأخذتنا لرؤية منزلي الذي سأعيش فيه .
كان بالطابق الثاني ولم يقل جمالًا عن منزل أسرته كأنه فيلا مصغرة ، كان الأثاث رائع والتابلوهات غاية في الأناقة ، عدت من هناك سعيدة وبعدها بأيام قليلة تم الزفاف ، قبلها أخذتني أختي الكبرى وجلسنا وحدنا وأخبرتني عن تلك الليلة وما يجب أن يتم بها ، وبالفعل بعدما عدنا من الحفل هيأت نفسي لذلك ولكن فارس تركني ونام !
فظننت أنه مرهق من تعب اليوم ولم أكترث ، ولكن مر اليوم الثاني بنفس الطريقة نزل عند أسرته وصعد وقت النوم ، وأيضًا لم يقترب مني وفي اليوم الثالث نزل إلى عمله وتكرر ما حدث في اليومين الماضيين ، ظل الأمر هكذا قرابة أسبوع وأنا لا أعرف السبب ولا أتحدث معه في شيء ، وبعد أسبوع جاءت صور الزفاف وشريط الفيديو ، فصعدت لانا أخته الصغرى كي تجلبهم لي وأثناء تشغيلي للشريط لاحظت أن ريم ابنة عمه كانت الوحيدة العابسة طيلة حفل الزفاف .
فسألت لانا عن السبب فقالت لأنها كان يجب أن تكون مكانك ، فصعقت من الإجابة وطلبت منها أن توضح لي فقالت لي أنها كانت تظن أني أعلم ، وتحت اصرار وضغط مني أخبرتني ولكن طلبت مني أن أتظاهر بعدم المعرفة ، لقد كان فارس وريم يحبان بعضهما البعض منذ الصغر ، وعندما كبرا تمت خطبتهما ولكن قبل الفرح بأسبوع واحد اختلفا على شيء تافه ، فقالت له ريم في ساعة غضب أنها لا تريد الزواج به .
وكنوع من الانتقام قال لها أنه سيتزوج من هي أجمل منها في نفس اليوم وفي نفس الفندق وعلى نفس الأثاث التي اختارته بنفسها ، هنا شعرت أن الدنيا تلف برأسي وأنني في كابوس مزعج ولابد أن أستفيق منه ، حينها كرهت فارس وكرهت ريم وكرهت نفسي وذلك المنزل الذي اعتبرته مملكتي كرهته ، وأخبرت أسرتي كي يطلقونني منه ولكنهم رفضوا .
فأختي الكبرى أيضًا طلقها زوجها وتركها بأبنائها في رعاية أبي ، فأغلقت أمامي كل السكك وكرهت أهلي بسبب طمعهم ورضوخهم ، وزاد ألمي حين علمت أن ريم وفارس عادت بينهما الأمور إلى طبيعتها وتصالحا ، حينما كنت أراها كنت لا أطيق الجلوس فعين فارس التي لم تكن تراني كانت لا تفارقها ، وجاء اليوم المحسوم حينما علما أنهم سيتزوجان ، فأنا لم أكمل معه ثلاثة أشهر وها هو سيتزوج عليّ .
حينها لم أستطع الصمت تحدثت مع والدته ، فاحتضنتني وأخبرتني أنها لم تكن موافقة على زواجه بي لأنها كانت تعلم أنه سيعود لريم ، وطلبت مني الصبر وكانت تعاملني بود كبير ، فطلبت منها أن أكمل دراستي العليا حتى أجد ما يخفف عني عذابي ويلهيني عن تلك المأساة التي أعيشها كل يوم ، فلم تعترض بل على العكس تكفلت بكل مصاريف الدراسة ودعمتني ، شغلتني الدراسة عنه وعن نفسي وهو أيضًا شغله الزواج فلم يكن يأتي إلي مطلقًا ، وأنا كرهته ولم أعد أنتظر منه شيء .
رغم أنه كان يعيش في منزل مجاور خارج بيت الأسرة ، وبعد شهر واحد سمعت أن ريم حامل فأدركت أنه سليم وليس به شيء كما كنت أظن ، ولكني رغم المفاجأة لم أعد أهتم ، كان اهتمامي كله منصب على دراستي ، توالت الأيام سريعًا ومرت شهور الحمل حتى حان وقت الولادة ، كان الجميع بالمشفى وأنا الوحيدة بالمنزل ، ولدت ريم وضعت طفلة لكنها للأسف لم تراها فقد ماتت بعد وضع الطفلة مباشرة .
خيم الحزن على الأسرة التي كانت تنتظر الفرح مع قدوم المولودة ، أما أنا فلم أحزن ولم أفرح فلم يعد يعنيني ما يحدث حولي ، وكأنني كنت أعيش في عالم وحدي عالم عابس لا يعرف الابتسامة ، وبينما أنا في غرفتي دخلت عليّ والدة زوجي ووضعت بين يدي الطفلة الصغيرة ، فحاولت إعادتها لها ولكن قالت لي أنها طفلة يتيمة ولم يعد لها أحد سواكِ ، وأنا لا أرغب أن تكون بيني وبين جدتها .
تعللت بدراستي فطلبت مني تأجيلها قليلًا حتى يشتد عود الفتاة ، وبعدها ستحقق لي كل ما أريد وتتكفل بأي مصاريف للدراسة ، لم أعرف حينها ماذا أفعل كيف سأعطيها الحب وأنا لا أملك سوى الكره لأبيها وأمها الراحلة ، نظرت إلى الفتاة الرضيعة فابتسمت وضحكت لي ، حينها قذف الله حبها في قلبي وشعرت أن العالم بأسره يضحك لي ، احتضنتها وقررت رعايتها واعتبرتها ابنتي .
حتى أنني أنا من اختار اسمها ، سميتها جنا فأبوها حتى رفض أن يراها وقال هي من تسببت في موت حبيبتي أنا لا أريدها ، لعل كرهه لها هو ما جعلني أحبها ، لقد أخذتني هذه الصغيرة من كل العالم حتى دراستي ، أحببتها أكثر من أي شيء وأحبتني لقد شعرت بهذا ، أما فارس فقد أغلق على نفسه في منزل والده ، لم يعد يذهب للعمل وكلما حاول أحد محادثته كان ينهره ، ويصرخ فيه .
حتى والدته حينما دخلت عليه كي تنصحه طردها من الغرفة ، فوبخته وقالت له إياك أن تطردني من أي مكان ببيتي ، عد إلى منزلك الأن ولا تبقى هنا ، تعجبت حينها من تصرف والدة زوجي الحنونة ، ولكني لم أتدخل رغم أنني اعتدت الوحدة ، وقد شكل وجود فارس في المنزل عبئًا على قلبي رغم أني كنت مشفقة عليه ، رغم ما فعله بي ، خلال الأيام الأولى لم يدر بيننا أي كلام ، كنت فقط أضع له طعام ولا يتناوله فأذهب بعد فترة وأخذه .
ولكن في الأسبوع الثاني حينما وضعت الطعام تناوله ، وكنت ألاحظ أنه يختلس النظر أحيانًا إلى جنا الصغيرة ، ولكني تظاهرت أنني لا أراه وبعدها بدأ ينزل إلى أسرته ويذهب إلى العمل ، وذات مرة قالت لي والدة زوجي وهي تحتضني كنت أعلم أنك ستخرجينه من حزنه شكرا لك ، لم أفهم حينها فقد كنت لا أتحدث معه تقريبًا .
بعدها كنت أجلس في يومٍ مع جنا وأداعبها ، فجاء وجلس معنا وفوجئت به يحدثني ويقول : لقد سمعتك تناديها بجنا أهذا اسمها ، فتلعثمت في ردي وأنا أقول له نعم ، بدأ مرة تلو الأخرى يجلس معنا ويتناول الطعام ويتحدث ، كنت من داخلي فرحه لكن كلما تذكرت انه تزوجني لينتقم من أخرى كنت أتذكر كرهي له ، وفي مرة من المرات دخلت إلى غرفتي كي أنام ، فجاء خلفي ونام على نفس التخت !
فانتفضت من نومي وأخذت الصغيرة لغرفة أخرى ، ولكنه أيضًا تبعني فقالت له انا لم أعتد النوم مع أحد غريب ، فقال باستغراب ولكني زوجك ولست غريب ، فقلت له فقط زوج على الورق وأسمعته كل الكلام الذي كان يعتصر قلبي ويحتبس في نفسي لأكثر من عام ، ثم تركته وذهبت لغرفتي وشعرت حينها أنني أغلقت أخر باب للأمل بيننا ، وفي الصباح شعرت به يخرج للعمل وعندما عاد تعامل معي وكأن شيىًا لم يكن .
كان يتحدث ويأكل معنا لا أخفي عليكم فرحت من داخلي فقد كنت بدأت أتعلق به ، ورأيت فيه وجهًا أخرى لم أعرفه كان لين حنون احتضن جنا وتقرب منها وأحبها ، بدأت حياتي تتغير شعرت ببعض السعادة لكنني لم أظهر ذلك ، وذات يوم هاتفتني علا أختي الصغرى وطلبت مني ملاقاتها على الفور في مطعم قريب ، انتابني القلق وخرجت مسرعة وجنا في يدي وهناك حينما دخلت وجدت البلالين تنزل من فوقي وعائلتي وعائلة فارس مجتمعين هناك .
وأخذوا يصفقون فور دخولي ، ذهلت ونظرت لعلا كي أفهم ما يحدث ، ولكني فوجئت بوالدة زوجي تحمل عني جنا وفارس يظهر من خلفها ويركع على ركبتيه وفي يده خاتم ، وقال لي بابتسامة عذبة : هل تتزوجيني ؟ حينها شعرت بفرحة عارمة فأخيرًا طرقت السعادة بابي وهجرني الحزن ، أخيرًا شعرت أنني على قيد الحياة ولست مجرد ركن مهمل في منزلي .
وافقت وفرح فارس وفرح الجميع بعد الزواج أكملت دراستي ، ولكني تأخرت في الإنجاب بسبب مشكلة في الرحم ، ولكني لم أكترث فقد كان لدي جنا ابنتي ، ولكن فارس كان يرغب في طفلٍ مني وبالفعل رزقني الله فأنا الآن حامل وأعيش في سعادة ورضا كبيرين ، فقد اكتشفت أن فارس زوج مخلص ومحب ، والغريب أني سامحته وعذرته في إخلاصه وحبه لريم حبيبته الأولى ، أما أنا فكنت ومازلت حبيبته الأخيرة . . .
النهاية
.